Rechercher dans ce blog

Nombre total de pages vues

dimanche 27 mars 2011

جنة الدنيا من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة

من لم يدخل جنة الدنيا لم يدخل جنة الآخرة
اللهم لك الحمد على كل نعمة أنعمت بها علينا، وعلى رأسها نعمة الهداية التي يمتد نفعها من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية، وأصلي وأسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، سبب هذه النعمة والدالّ عليها، وبعد:
فنحن والإيمان: كما قال السلف: «من لم يدخل جنة الدنيا لم يدخل جنة الآخرة»، وهذه المقولة ليست مغلوطة، بل هي الحقيقة بعينها، قالها من هو مطلع على حقيقة الدين، فيا ترى ما هي جنة الدنيا؟ وما ثمرتها؟ وما علامتها؟
إن جنة الدنيا هي محبة الله، والإيمان به، واتباع رسوله، ولذلك أخبرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «أنه لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة»، ومن رزقه الله الإيمان والعمل الصالح نال ثمرة هذه الجنة، وفي هذا يقول الله تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً{ [النحل: 97]، وهذه الحياة لا يجدها ولا يذوقها إلا من آمن وعمل صالحًا، ولا يبقى إلا أن يقال: من ذاق عرف، فهل لذلك من علامة تعرف بها؛ لأنه قد يدَّعيها من لم يدخلها؟
والجواب: نعم، لها علامة واضحة أخبر بها الصادق المصدوق نبينا محمد محمد صلى الله عليه وسلم: «إن النور إذا دخل الصدر انشرح» وفي رواية: «إن الإيمان»، قالوا: ما علامة ذلك يا الدنيا يدخلها يدخل الآخرةمحمد صلى الله عليه وسلم قال: «التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله» [رواه الترمذي وغيره، وذكره أيضًا الإمام ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: }فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ{ [الأنعام: 125]، في سورة الأنعام].
وإذا عُرف هذا فأعظم نعمة ينعم بها الله على الإنسان نعمة «الإسلام والإيمان».
ولكن: من سيثبت على هذه النعمة حتى الممات؟ فالقلوب تتقلب والإيمان يزيد وينقص باللحظات، والإنسان ما دام في هذه الحياة فهو معرض لفتن عظيمة قل من ينجو منها، كما قال محمد صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم» [رواه مسلم عن أبي هريرة].
ومن هنا: حثَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم على المبادرة بالأعمال قبل وقوع الفتن وانتشارها؛ ولأن العمر تعتريه آفاتٌ، وقد تحول بينه وبين طاعة الله عز وجل، ولخطورة هذا الأمر خاف السلف من سوء الخاتمة، ففي الحديث: «الأعمال بخواتيمها الأعمال بخواتيمها» [رواه البزار].
وكيف لا نخاف سوء الخاتمة وقد أقسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال: «فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» [رواه مسلم عن ابن مسعود].
وعند الإمام أحمد: «لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروابما يُختم له، فإن العامل يعمل زمانًا من عمره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحوّل فيعمل عملاً سيئًا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحًا» [رواه أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه].
ومما يحسُن ذكره مثالان على حسن الخاتمة وسوئها:
ففي الصحيحين من حديث سهل أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم التقى مع المشركين وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منّا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلانٌ، فقال الدنيا يدخلها يدخل الآخرةمحمد صلى الله عليه وسلم «هو في النار»، فقال رجل: أنا صاحبه فأتبعه، فجُرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فكانت خاتمته معصية سببت له دخول النار.
فخاتمة السوء قد تكون بسبب دسيسة سوء عند العبد، لا يطلع عليها إلا الله، أو عمل سيئ، ففي صحيح ابن حبان عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال: سمعت الدنيا يدخلها يدخل الآخرةمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله».
والعكس بالعكس، كما في قصة الرجل الذي أسلم يوم أُحُد فقاتل حتى قُتل، فقال الدنيا يدخلها يدخل الآخرةمحمد صلى الله عليه وسلم «عمل قليلاً وأُجر كثيرًا، وما سجد لله سجدة»، وكذلك قصة الغلام اليهودي في مرض موته لما قاله له الدنيا يدخلها يدخل الآخرةمحمد صلى الله عليه وسلم: «آمِنْ»؛ فآمن فمات فدخل الجنة.
ومن أجل ألا يسوء ظن العبد بربه فإن لسوء الخاتمة أسبابًا كثيرة منها:
1- الأمن على الإيمان من فقدانه: أخرج الإمام الفريابي في ذم المنافقين عن أبي الدرداء: «إن من أمِن على إيمانه من الفقدان سُلبه عند الموت».
2- فساد العقيدة: وكفى بها بلاءً؛ لأن مَنْ عقيدته فاسدة فعمله مردود، وقد رأيت أناسًا حَوْل قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعونه من دون الله، ورفعوه إلى منزلة لا يرضاها الله ولا يرضاها رسوله، وهؤلاء لا تقل لهم: صلوا أو صوموا؛ لأن عملهم مردودٌ لفساد عقيدتهم، حيث إنهم يدعون غير الله، ويستغيثون بغير الله، فقد قال محمد صلى الله عليه وسلم: «أنه لا يستغاث بغير الله»، وقد خدعهم الشيطان وقال لهم: إنه لا يستجاب لمثلكم، كيف هذا والله يجيب دعوة من دعاه، }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{ [البقرة: 186.
3- الاغترار بالحالة الحاضرة: وما يصدر عنها من طاعات، والغفلة عما في النفس من مهلكات، أبرزها: النفاق الذي قلَّ أن ينجو منه أحد، والبدعة التي ما سلم منها أحد إلا القليل، والتعلُّق بالدنيا والركون إليها.
فأما النفاق: فقد خافه الصحابة على أنفسهم خوفًا شديدًا مع ما لهم من الأعمال الصالحة، كيف لا وقد قال محمد صلى الله عليه وسلم «أربع مَنْ كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».
المشكلة أن من اتصف بهذه الخصال الأربع كان منافقًا خالصًا؛ لأنه جمع جميع أعمال النفاق العملي.
أما قوله: «إذا ائتمن خان»؛ فلأن أداء الأمانة إيمان، وتضييعها نفاق وعصيان، والخيانة دليل على سوء البطانة، والأمانة ليست هي حفظ العارية، بل تدخل في كل صغيرة وكبيرة في الدين والدنيا، ومن أعظم الخيانات:
خيانة الله ورسوله والكذب عليهما، والتقول على العلماء بما لم يقولوا.
ومنها: ترك الأولاد والبنات يسرحون ويمرحون كيفما يشاءون، ويسهرون على المحرمات، وكله خيانة للأمانة، وكذلك خروج الأب للصلاة بالمسجد وترك أبنائه بالبيت نائمين.
ومنها: إفشاء أسرار الزوجين، سواء حصلت بينهم خصومة أو التحدث بما يحصل بينهم من العشرة ، والسبب في ضياع الأمانة أنه لما فسدت علاقتنا مع الله فسدت علاقتنا مع الناس، لأنه ما من عبد يؤدي حق الله إلا أدى حقوق عباده.
أما قوله: «وإذا حدّث كذب»؛ لأن كل معصية وكل بلية تنشأ من الكذب، وإذا ترك العبدُ الكذب فقد أغلق على نفسه باب معاصٍ كثيرة، ومن هنا قال محمد صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب، فإنه يهدي إلى الفجور»، بل إنه من أبرز خصال النفاق العملي.
أما قوله: «وإذا عاهد غدر»؛ فالبعض – على سبيل المثال – إذا أراد أن يتوب أخذ على نفسه العهود والمواثيق على أن لا يعود إلى تلك المعصية، ثم يغلبه هواه فيعود، فاحرص على ألا تعاهد الله على ترك المعاصي؛ لأن العهد مسؤول، ومن نقض العهد يُخشى عليه النفاق، ومن خدع الشيطان لكثير من ضعاف الإيمان حين يوقعهم بمعصية، فإنه بمجرد أن يجدوا نشوة الهداية يعاهدون الله على ترك تلك المعصية ويعطون الله من أنفسهم عهودًا مغلظة، ثم يستدرجهم الشيطان، حتى ربما أغواهم فوقعوا في المعاصي مرة أخرى، ثم يقول لهم: أنت منافق، أين العهود والمواثيق؟! حتى يقنطه من رحمة الله، ولذلك نقول للجميع: احرص على ألا تعاهد الله على ترك المعاصي؛ لأن العهد مسؤول.
ولكن إذا كنت تريد أن تتوب فتب بدون عهد، فإن الله يتوب عليك، وابذل الأسباب في البعد عن المعاصي، فإن عدت فتب مرة أخرى، كالذي يتوضأ ثم ينقض وضوؤه فإنه يعود فيتوضأ، حتى ولو تاب في اليوم سبعين مرة بشروطها، فإن الله يتوب عليه.
وأما قوله: «وإذا خاصم فجر» فنسأل الله العافية، فإذا وقعت خصومة بينه وبين غيره فجر، والفجور في الخصومة على قسمين:
1- يجحد ما كان عليه.
2- أن يدعي ما ليس له.
ولذلك إذا قُدّر لك أن تصلح بين شخصين ، وكان أحدهما فاجرًا كان الأمر من الصعوبة بمكان؛ لأن المؤمن يمكن أن تخوفه بالله فيخاف، ولكن إذا كان فاجرًا فلا شك أنه يتجرأ على الله والعياذ بالله، ونسأل الله أن يطهر قلوبنا من «النفاق، والشك، والشرك، والرياء